السبت، ديسمبر 05، 2009

هل يفعلها البرادعي ؟



أثار بيان د. محمد البرادعي الذي أصدره أمس الأول حول شروطه من أجل الترشح لإنتخابات الرئاسة المصرية الكثير من اللغط , و أصبح أول موضوع يصنف كحديث الساعة في الشارع المصري منذ إنتهاء مبارة أم درمان مع الجزائر و أحداث الشغب الجزائرية اللتي رافقتها .

فبينما أبدت الصحف المستقلة كالشروق و الدستور و المصري اليوم و غيرهم تفاؤلا مشوبا ببعض الحذر تجاه البيان و تجاه شخص د. البرادعي .. إستقبلت الصحف القومية الخاضعة لسيطرة النظام و أجهزة الأمن البيان بشراسة و هجوم غير متوقع نسبيا على شخص د. البرادعي بوصفه شخصا قضى معظم حياته خارج مصر و لا يعرف شيئا عن مشاكلها و اتمته ايضا صحف الحكومة بان موالي للغرب و سيقوم بتنفيذ أجندات غربية .

من نافلة القول أن الدكتور محمد البرادعي شخصية وطنية محترمة و نزيهة و له من المواقف الشريفة اللتي سجلت لصالحه أثناء رئاسته الطويلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية و اللتي تثبت أنه رجل صاحب مبادئ و صاحب مواقف , كموقفه من الحرب على العراق و إصراره على عدم وجود أي دليل عند الوكالة يدين العراق في حيازة تكنولوجيا نووية و موقفه أيضا في مسألة إيران حيث نجح الرجل في إلتزام الحيد لتام إلى درجة أثارت غيظ الأمريكيين و الإسرائيليين عليه لمنعهم من إستخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية كأداة ضغط على إيران للتنازل عن طموحاتها النووية المشروعة .

لكن هذا ليس موضوعنا حاليا ... فأنا متفق مع من إتفق على أن د. برادعي سيكون أفضل خيار كرئيس مصري لفترة إنتقالية , و لكن البيان الذي تم طرحه من قبل البرادعي منذ يومين لم يقطع عرقا و يسيح دما كما يقولون , و إنما كان بمثابة تفسير لتصريحاته المقتضبة السابقة اللتي قال فيها أنه سيرشح نفسه لإنتخابات الرئاسة القادمة في حالة وجود ضمانات بنزاهتها .

حيث شرح د. البرادعي في بيانه ما هي الضمانات اللتي كان يقصدها , و هي :

- عودة الإشراف القضائي الكامل على العملية الإنتخابية

- وجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة لضمان نزاهة الإنتخابات

- تنقية الجداول الإنتخابية

- فتح باب الترشح المغلق أمام الأغلبية الكاسحة من المصريين بحكم المادة 76

و هي شروط تنم عن متابعة جيدة للعمليات الإنتخابية اللتي تتم في مصر و عن إدراك جيد للخصم الذي هو النظام المصري , فالرجل على دراية بأوضاع البلد و مشكلاتها على عكس ما يحاول الإعلام الحكومي الترويج عنه , و لكن هذا كما قلنا ليس موضوعنا .

موضوعنا هو د. البرادعي نفسه ... حيث أن الرجل لم يشرح لنا في هذا البيان كنه هذه الشروط بالظبط ؟؟ هل هي شروط أساسية في مسألة خوضه الإنتخابات بدونها سيعدل عن الترشح ؟؟ أم هي رؤيته الشخصية الخاصة لما تحتاجه العملية الإنتخابية لتكون نزيهة من وجهة نظره ؟؟ أم .. أم .. أم ؟؟

المشكلة أن الدكتور البرادعي على الرغم من مكانته السياسية و الديبلوماسية الجبارة و على الرغم من القبول النسبي الذي يحظى به عند رجل الشارع المصري , إلا أنه شئنا أم أبينا ستكون أول مرة له في خانة الخصومة أمام نظام فاجر يخاف ما يختشيش كنظام مبارك و في مواجهة مفتوحة و على أرض مصر أيضا .. و شئنا أم أبينا لن تكون هذه التجربة في أولها سهلة بأي شكل من الأشكال على الدكتور البرادعي .

كما أن إستمرار وجوده في الخارج في مثل هذا التوقيت بالذات هو خطأ كبير .. حيث يتم إستغلال ذلك من قبل الإعلام الحكومي للتشكيك في مدى فهمه لقضايا و أوضاع البلد و محاولة تصويره على إنه مجرد خواجة يجيد التحدث بالعامية المصرية , و إن إستمر هذا الهجوم بصفة متواصلة في حال عدم وجود د. البرادعي في مصر للدفاع عن نفسه بالتأكيد ستكون هناك آثار سلبية كبيرة على مدى إقتناع الشارع المصري به كرئيسا يحمل تطلعات المصريين في وطن أنظف و أجمل و أغنى و أقوى .

أيضا يجب على الدكتور البرادعي وضع النقاط على الحروف و تحديد موعد لإتخاذ قرار خوض الإنتخابات من عدمه , و يجب عليه التواصل مع الناس مباشرة في الشوارع و التواصل مع الأحزاب و الحركات السياسية اللتي من المؤكد أنها ستلعب دورا إستراتيجيا في معركة الإنتخابات الرئاسية القادمة سواء بالبرادعي أو بدونه .

فالدكتور البرادعي يضع الجميع هكذا في موقف صعب بعدم تحديد موقفه , الجميع أقصد بها الحركات السياسية و الأحزاب و الصحف المستقلة , حيث هم غير قادرين على إعلان دعمهم الرسمي للبرادعي قبل أن يعلن هو رسميا قراره بخوض المعركة !!!

و لا يفت على عقلية كعقلية الدكتور البرادعي أن وضع الوعي السياسي للشارع المصري مزري و بائس و يقترب من الصفر , حيث فقدت الأغلبية الكاسحة من المصريين إهتمامها بالسياسة أصلا بخيرها و بشرها .. مما يعني أن هناك الكثير من الوقت أصلا سوف يضيع في محاولات الإفاقة لقطاع من الناس أو شريحة من الجماهير لتكون الحد الأدنى من الدعم الجماهيري اللتي من الممكن الإعتماد عليها لخوض معركة شرسة و غير مأمونة القواعد و لا العواقب كمعركة السلطة في مصر , ثم بعد هذا ستبدأ المعركة الحقيقية مع النظام .

رجاء يا دكتور ... الوقت بيسرقنا .. عامين من الآن حتى الإنتخابات هي فترة غير كافية بالمرة للتحضير في ظل الأوضاع القهرية اللتي تعيشها مصر تحت البيادة الغليظة للأمن المركزي .... فرجاءا ... في عرض الدين النبي ... إنجز !!!