الجمعة، ديسمبر 02، 2011

إختيار الإنقراض

يعيش انصار الدولة المدنية و العلمانيين هذه الأيام مرحلة صدمة مصطنعة للغاية .. فقد إنتهت الجولة الأولى الأولى تقريبا من الإنتخابات البرلمانية 2011 اللذي سيكتب دستور مصر ما بعد الثورة .. و بعد نجاح التيار الديني " الإخوان و السلفيون " في الحصول على حوالي 70 % من مقاعد الجولة .. بدأت القوى المدنية نخبة و نشطاءا و أنصارا في عيش نفس حالة الفصام و اللاتصديق لمعطيات هي أكثر المعطيات منطقية بناءا على كل ما حدث في العام الماضي .
كيف للقوى المدنية أن تتعجب من إكتساح التيار الديني لهذه النسبة , و التيار الديني هو الوحيد المنتشر و المتوغل في الطبقة الفقيرة اللتي تعلم كل القوى المدنية في مصر انها تشطل اكثر من 50 % على أقل تقدير من مجمع الكتلة التصويتية في مصر ؟؟؟؟
كيف يتعجبون , و هم يعلمون جيدا أنهم لا حضور لهم في مصر الا على الفضاء الالكتروني و الطبقة المتوسطة اللتي تتابع برامج التليفزيون ؟؟
كيف يتعجبون , و هم قاسوا بالظبط من نفس هذه التجربة في شهر مارس الماضي مع صفعة الإستفتاء الشهيرة ؟؟
كيف يتعجبون , و التيار الاسلامي ممثل في 3 جبهات فقط لا غير " الحرية و العدالة - النور - الوسط " , بينما هم تفرقت بهم السبل الى أن كلما إلتقى منهم خمسين فردا أسسوا حزبا أو جماعة ؟؟؟؟

لقد تلقينا كلنا صفعة الإستفتاء و وقفنا مذهولين من ضآلة تمثيل القوى المدنية و قوى الثورة في أول معركة إنتخابية " مصغرة " بعد الثورة , و كان من المفترض أن نكون قد تعلمنا جميعا درسا قاسيا في الفارق بين المعارك النضالية كالثورة و المعارك التصويتية كالإستفتاء .. و لكننا للأسف لم نتعلم منها أي شيئ .

كان من المفترض لو أننا بدونا عجزة عن فهم حقائق مباشرة كانت السبب في " نكسة الإستفتاء " للقوى المدنية , أن نقوم بدراسة الواقع على الأقل و محاولة فهم تلك الحقائق و طرق مواجهتها .. و لكننا عوضا عن ذلك إنسرفنا إلى نفس التمزق و التشرذم و عدم التفرقة بين المعارك النضالية و المعارك التصويتية , و بدلا من أن نتحد في كيانات قوية و بعمل تواجد قوي في الشارع المصري مهما تطلب ذلك من مجهود .. إنسرفنا إلى مقاهينا و " فيسبوكنا " و : تويترنا " و إنهمكنا جميعا في كيل التهم للجميع من المجلس العسكري الى القوى الدينية الى حتى " الشعب الغبي اللي اتضحك عليه " .. و تركنا السبب الرئيسي في هذه السقطة , و هو تخاذلنا كقوى مدنية و تركنا للشارع عن عمد و وعى بذلك للتيارات الدينية .

و جاءت المعركة الإنتخابية وسط مهاترات الوثيقة و الهجوم على المصابين و ش محمد محمود و كل فخاخ الإنهاك و الإستنزاف اللتي استخدمها المجلس العسكري لعرقلة القوى الوطنية عامة عن المعركة الأساسية اللتي فرضت على المجتمع و هي المعركة الإنتخابية . و لكن القوى الدينية لأنها قوى براجماتية بحتة , قررت عدم الإلتفات إلى ما لا يخصها في هذه المرحلة و بذل الغالي و النفيس و التضحية بكل شيئ و أي شيئ لأجل توفير الطاقة و الإمكانيات اللازمة للمعركة الإنتخابية .
و بالتالي فإن النتيجية الطبيعية و المنطقية أن تأتي النتيجة بمثل هذا الإكتساح , و لا محل هنا للتعجب و الإستنكار و النحيب , فلم يظلم أحد القوى المدنية بل هي اللتي ظلمت نفسها ظلما بينا .

و المشكلة هنا أن الواعين بأسباب الهزيمة و سبل التغلب عليها , هم سلبيون أيضا , فهم يكتفوا بالتصريح بذلك و الكلام عنه بدون أن يفعل أي أحد أي شيئ للخروج الفعلي من هذا الوضع .
لماذا لا يقوم عقلاء القوى المدنية و الثورية اللذين لا يزالون على علاقة طيبة بباقي القوى المدنية القيام بهذا الدور الحيوي اللذي فرض أخلاقيا عليهم لأنه لا يوجد أحد آخر يقوم به ؟
أين رموز المجتمع المدني من هذا الخطر المجتمعي الرهيب المتمثل في السقوط في هوة الأنظمة الدينية ؟
أين النشطاء الشباب الواعيين و المثقفين من القيام بدور الوساطة بين هذه القوى و الأحزاب المتشرذمة اللتي تفضل الإنقراض منفردة عن الإتحاد مع باقي القوى المدنية من أجل حماية فكرة مدنية الدولة نفسها و بالتالي حماية وجودها كقوى نفسه ؟

لماذا يظل كل مؤمن بأهمية التحالف و الإندماج بين القوى المدنية و الشروع في العمل السياسي في الشارع بشكل منظم و مخطط , متقوقعا على نفسه على تويتر و فيسبوك و المقاهي ؟ لماذا لا نضع أيدينا في كفة واحدة للقيام بمثل هذه المهمة اللتي هي الخيار الأخير لكل المؤمنين بمدنية الدولة في مصر و البديل عنها هو الإنقراض الفعلي ؟

إن عدم توحد القوى المدنية و العلمانية الآن في حزبين أو ثلاثة على أقصى تقدير و عدم التواجد في الشارع و بناء أحزاب حقيقية لها قوى منظمة في الشارع .. لهو بالفعل خيار الإنقراض .

ربما قد نلنا هزيمة منكرة في مسار التحول الديمقراطي " الاستفتاء " و في القدرة على المشاركة في صياغة الدستور الجديد " الانتخابات البرلمانية "  , و لكننا لا يزال لدينا انتخابات برلمانية جديدة بعد انتخاب الرئيس و لا يزال لدينا انتخابات برلمانية أخرى بعد 4 سنوات . ربما كان لدينا ترف الوقت من قبل لكننا حاليا أصبحنا لا نملكه , و عدم البدء بالعمل السياسي الحقيقي الآن و فورا سيكون إضاعة لآخر فرصة , لأننا بعد هذا سنكون أمام مؤسسات فاشية متعصبة و تمتلك شعبية و منتخبة ديمقراطيا .

ما دفعني إلى كتابة هذا هو ملاحظتي لوجود الكثير من المؤمنين بهذا الحل و حتميته , و لكني لم ألاحظهم الا في تويتاتهم للأسف .
أنا عن نفسي أضع نفسي و كل ما أستطيع من وقت و مجهود من أجل العمل لتحقيق قوى مدنية موحدة و تشتغل بالسياسة فعليا في الشارع لا بالظهور الإعلامي , و أعلم أن من مثلي كثيرون لكن ينقصهم العمل الجماعي .




الخميس، نوفمبر 17، 2011

ملاحظات حول مسيرة شبرا

نظمت مجموعة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنين " فعالية جيدة للغاية في شبرا أمس الأول يوم 15/11/2011 , بدأت بوقفة إحتجاجية في دوران شبرا ثم تحولت الى مسيرة من الدوران الى التحرير .
و من خلال حضوري للوقفة و مشاركتي في جزء صغير من المسيرة حتى مسرة , استطعت ملاحظة بعض السلبيات و الإيجلبيات اللتي حدثت في الفعالية .

* الإيجابيات :
- الإنتشار الجيد للنشطاء في منطقة الوقفة , حيث وقف حاملو اللافتات في خط طويل على الجزيرة بين الطريقين حاملين لافتاتهم ليتمكن ركاب السيارات في الإتجاهين و المشاة على الرصيفين المقابلين من رؤيتها .
- على الرصيفين المقابلين ( أرصفة المشاة ) انتشرت مجموعات صغيرة من النشطاء لتوزيع المنشورات و للتفاعل مع المارة و شرح القضية لهم و الإجابة عن تساؤلاتهم , بإقامة دوائر حوارية صغيرة .
- انتشر موزعي المنشورات في المنطقة كلها لتوزيع المنشورات على المارة و أصحاب المحلات و راكبي السيارات من كافة الشرائح العمرية و المجتمعية , فلم يكن يمر شخص أو سيارة إلا و يخرج من المنطقة محملا بالمنشورات .
- حرص النشطاء على الفصل بين المسيرة و التدفق المروري بحبل طويل يحدد المساحة العرضية للمسيرة لإبقاء السيولة المرورية على طبيعتها الى أقصى حد ممكن .

* السلبيات :
- عدم وجود هتافات محددة .
- عدم وضوح سياسة خطابية محددة للتفاعل مع رجل الشارع , فالحديث من الممكن أن يتطرق لأي شيئ حتى أني رأيت بعض النشطاء يتجادلون مع بعض المارة عن الرائد أحمد شومان !!
- وجود الكثير من الهتافات الغير مجدية و المنفرة لرجل الشارع مثل هتاف " المرة دي مش سلمية "  .
- الحدة الشديدة جدا في الحديث مع مؤيدي العسكر ممن يفتحون حوارا مع النشطاء .

و أود في النهاية أن أبدي إعجابي الشديد بمجموعة " لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين " و حملة " أفرجوا عن مصر " اللتي أتت المسيرة في سياقها .

الثلاثاء، نوفمبر 15، 2011

عن كل ما حدث و ما يحدث الآن (2)

أتحدث في هذه التدوينة عن ما تبقى من نقاط لم تفصل في التدوينة السابقة , و هي :

- سياسات حاكمة تدفع البلاد بتعمد لا شك فيه الى حالة من الفوضى العارمة في كل الميادين .
- محاكمات عسكرية لأكثر من 14000 مدني .
- مقبلون على إنتخابات برلمانية شاملة في ظل كل هذه الأوضاع .

* سياسات حاكمة راعية للفوضى :
يتذرع المدافعون عن أداء المجلس العسكري و حكومته بالأسباب الآتية : 
- تم كسر هيبة الشرطة .
- تم كسر هيبة الدولة .
- الشعب غير متعاون لإعادة الإستقرار .
- عزوف المستثمرين عن الإستثمار في مصر بسبب الثورة .
و بالطبع كل هذه الإدعاءات فارغة تماما و عارية من الصحة و هي لغرض التضليل لا أكثر و لا أقل .
حيث من المعروف حتما أن مسألة عودة الشرطة هي مسألة تقع بالكامل في أيدي المجلس العسكري , و عدم عودة الشرطة إلى العمل حتى الآن ما هي الا نتيجة لعدم توافر الرغبة لدى المجلس العسكري في ذلك , إستمرارا لسياسة الضغط على الشعب المصري و معاقبته 
حيث أن عودة الشرطة و قد ذكرنا مشكلتها , و بالنسبة الى عدم قيام المحليات بأدوارها المختلفة فما مبرره ؟ كسر هيبة الدولة أيضا ؟؟ أسيرفض الناس التعامل مع من يقومون بتمهيد شارع لهم ؟ هل سيرفضون التعامل مع من يقومون بمد خط مياه لهم ؟ هل سيرفضون التعامل مع من يرفعون لهم القمامة ؟ أي عبث و أي نصب و دجل هذا اللذي تقوم به الحكومة من إدعاءات فارغة ؟
ثم ما اللذي على الشعب فعله لعودة الإستقرار و لا توجد هناك شرطة أصلا ؟؟
هل يوجد نموذج واحد في العالم لدولة بها استقرار و أمن و سيادة قانون بدون جهاز شرطة قوي و خاضع للرقابة القضائية ؟؟
ما مبرر ترك الشارع بدون شرطة و بدون مرور و بدون جامعي القمامة و الكثير مما لا يعد و لا يحصى مما إختفى من خدمات - رديئة أصلا - و لم يعد ؟

* المحاكمات العسكرية :
سبحان الله .. و كأن شيئا لم يكن يا بلادي .. ألم يدر هؤلاء أن الثورة أول ما قامت , قامت ضد قانون الطوارئ و الإجراءات الإستثنائية و غياب العدالة ؟ و في عصر مبارك كانت الإجراءات الإستثنائية تتلخص في سلطات الإعتقال للظباط و نيابة أمن الدولة و محاكم أمن الدولة .. أما الآن بعد الإطاحة بمبارك فظلت هذه الإجراءات كما هي ضد النشطاء و الفقراء و زاد عليها الآن بعد الثورة النيابات العسكرية و المحاكم العسكرية .
إن القول بأن المحاكمات العسكرية عادلو أو شبه عادلة حتى هو هراء محض , هيئة القضاء العسكري كاملة هي مجرد " إدارة " من إدارات القوات المسلحة مثلها كأي إدارة أخرى كشئون الظباط مثلا في التعيينات و ترتيب الأوامر و القيادات و ما إلى ذلك , إلى جانب أن أحكام هذه المحاكم لا تصبح واجبة النفاذ إلا بعد تصديق قائد المنطقة العسكرية التابع لها المحكمة على الحكم , و مثال على هذا التضارب ما ذكرته في التدوينة السابقة عن قضية ماسبيرو و الرويني , حيث إن ثبت مسئولية الرويني مثلا عن إنفجار الأحداث و حكم عليه القاضي بعقوبة فلا يصبح هذا الحكم ساريا إلا بعد تصديق الرويني نفسه !!!!!!!!!!!!
ثم إن محاكمة المتظاهرين و الفقراء و من تشاجر مع ظابط في الشارع و من سرق " معزة " أمام المحاكم العسكرية في الوقت اللذي يحاكم فيه القتلة و الخونة و مختلسي أرزاق الشعب أمام القضاء الطبيعي متمتعين بأكثر من حقوقهم الكاملة كمتهمين , لهو نوع من الصفاقة و الوقاحة اللتي لم يسبق لها مثيل حتى في عصر المخلوع نفسه .
كما أن الإدعاء و التضليل بأن المحاكمات العسكرية هي السبيل الوحيد لمواجهة البلطجة و الإنفلات الأمني و ما إلى ذلك , هو من أكبر عمليات تضليل الرأي العام اللتي حدثت في مصر و ربما في العالم , حيث أن الإنفلات الأمني حله في جهاز الشرطة المدنية القوي الخاضع للرقابة و مبدأ سيادة القانون اللذي يتم خرقه يوميا بالمحاكمات العسكرية للمدنيين , و الدليل على ذلك أنه قد مر على بدء إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية حوالي 10 أشهر و تم محاكمة قرابة ال 15000 مواطن أمامها و لم أسمع في أي منطقة عن بلطجي واحد أو قاطع طريق واحد حتى تم حبسه بناءا على محاكمة عسكرية , و لا تزال بعد كل هذه المدة مظاهر البلطجة و العنف و غياب القانون مستمرة في الإنتشار يوما بعد يوم رغم أسطورة إستخدام الأحكام العسكرية لردع البلطجة , و الإنتخابات البرلمانية على الأبواب و أحداثها سوف تكون خير دليل على عدم فاعلية المحاكم العسكرية في القضاء على البلطجة , لقصورها القانوني كمحكمة أولا و لإنعدام الرغبة لدى المجلس العسكري ثانيا .
الحرية لعلاء عبد الفتاح و مايكل نبيل و الآلاف المؤلفة من المهدرة حقوقهم أمام مقصلة المحاكم العسكرية .

* الإنتخابات البرلمانية :
كان من المفترض أن ندخل هذه المرحلة بنفس الروح اللتي دخلت بها الشقيقة تونس إنتخابات المجلس التأسيسي , و لكن العسكر أبوا , فشتان بين مرحلة تونس الإنتقالية و مرحلة مصر " الإنتقامية " , فنتيجة لكل الأحداث السابق ذكرها في التدوينتين , تدخل مصر هذه الإنتخابات و أقصى أمانيها أن تقلص كمية الدماء اللتي ستسيل على سيوف البلطجية و جنازيرهم و شومهم و ربما " كلاشنكوفاتهم " حتى !!
فالفلول و أعضاء مجالس الشعب المزورة سابقة حاضرين و بقوة و الكثير منهم يخوض الإنتخابات عن أحزاب كبيرة كالوفد اللذي أصبح الراعي الرسمي للفلول , و الآخرون يخوضونها عن أحزابهم الجديدة أو كمستقلين , و كلهم لا تزال لديهم نفس الترسانة من المال الحرام و اللاأخلاقية و كتائب البلطجية و حماية ظباط المباحث بدوائرهم , و بالطبع كل هذه الأسلحة سوف يتم إستخدامها بأقصى قوة في الإنتخابات القادمة , اللتي هي بالنسبة لهم معركة حياة أو موت لحماية ما تبقى من الرؤوس و وقف خسائرهم جراء الثورة الى ما خسروه حتى الآن و بداية مرحلة تعويض تلك الخسائر .
و كل الحديث عن تغليظ العقوبات الإنتخابية في الجرائد هو أيضا مجرد كلام فارغ للإستهلاك الإعلامي  فقط  , فمن اللذي ينتظر قيامه بضبط المخالفين و تقديمهم للعدالة ؟؟ الشرطة المدنية ال"مقموصة"؟ و تقدم من الى العدالة ؟ حلفائها السابقين من البلطجية و المسجلين و أعضاء المجالس المزورة اللذين طالموا عزفوا معهم سيمفونية تزوير الانتخابات ؟ ستأتي اليوم و تنقلب عليهم فجأة ؟ بأمارة ايه ان شاء الله ؟
أم الشرطة العسكرية الغير قادرة على تأمين مدرعاتها من خطر " الإرتباك " و غير قادرة على تأمين الطرق السريعة الرئيسية حتى في البلاد - كما يدعون هم - ستصبح بقدرة قادر فجأة قادرة على حماية أكثر من 3500 لجنة بناخبيها بالمناطق المحيطة بها , بل و القبض على مرتكبي الجرائم الإنتخابية من ترويع و تهديد و نشر إشاعات و شراء أصوات و تسليمهم للعدالة ؟ و من المفترض منا أن نصدق أن هذا السينارية اليوتوبي هو ما سيحدث في مصر بعد 15 يوما من نشوب حرب بين قريتين و إنتهاج الشرطة العسكرية لسياسة " عدم التدخل " !!!!!!!!!!!!!!!!
هذا و قد أبشركم أن عمليات شراء الأصوات قد بدأت في المناطق الفقيرة , و مما وصلني منها أن سيد عيد - عضو مجلس شعب 2005 و 2010 وطني - مرشح حزب الوفد عمال بالدائرة قد اتفق مع سماسرة الأصوات اللذين يكون معظمهم من المسجلين خطر و أصحاب السوابق الجنائية على أن يجمعوا له الناخبين و يقبض السمسار 500 جنيه عن كل صوت يجلبه , و بالطبع كل هذا تحت رعاية السادة الأفاضل ظباط مباحث قسم حدائق القبة , أدامهم الله ذخرا للعدالة و للعقوبات الإنتخابية !!
كل ما سلف بالطبع لا يناقش إحتمالية حدوث مهازل زائدة عن الحد في المرحلة الأولى للإنتخابات قد يتذرع بها المجلس لتأجيل إجراء المرحلتين الباقيتين الى أجل غير مسمى , و هذا إحتمال لا أريد الخوض فيه لأني قد أصبت بالإكتئاب بسبب كتابة كل هذه المصائب و لا أريد أن أزيده .
و أعد بالمزيد من الأملو التفاؤل في التدوينة التالية بعنوان " خطايا الثورة و كيفية التوبة منها " .

     القاهرة في 16 / 11 / 2011

الاثنين، نوفمبر 14، 2011

عن كل ما حدث و ما يحدث الآن (1)

أولا أود أن أعترف انني منذ ما يقرب من العام و نصف العام و تحديدا منذ شهر أغسطس 2010 قد تحولت من ناشط سياسي و قيادي في أقوى حركة شبابية في مصر الى مواطن حزب كنبة .
هذا التحول كان وراؤه أسباب شخصية و عائلية عديدة لا أريد أن أفصح عنها لأني أخجل من حقيقة أنني قد تركت خوفي على نفسي و أهلي و وضعي المادي يحول بيني و بين العمل العام التطوعي اللذي أعشقه و مما ترتب عليه أن حال بيني و بين النزول و المشاركة في أمجد أيام مصر أيام الثورة المصرية المجيدة .

أعتذر لنفسي و لأصدقائي اللذين خذلتهم في وقت المعركة و لحبيبتي زوجتي العزيزة اللتي احترمت خوفي و لم تتذمر عندما تحولت الى شخص آخر سلبي غير اللذي أحبته .

و أعاهد الله و نفسي و زوجتي و أصدقائي أن أنزع الخوف من قلبي كما كان و أن أعود الى طريق الحق اللذي هدانا الله إليه و هو طريق الدفاع عن الفقراء و المساكين و الجهلاء اللذين ليس لهم تصور بما يحيكه لهم أصحاب السلطة و المال بليل منذ أيام عبد الناصر و حتى يومنا هذا ... إنه طريق الدفاع عن المستقبل و ما يمكن إنقاذه من الحاضر .

بعد " الكلمتين اللي كانوا واقفين في زوري " , يوجد تساؤل مهم , ما دلالات الواقع العبثي اللذي تعيشه مصر الآن ؟
الواقع المصري الآن يتلخص في :
- غياب أمني تاريخي لما يزيد عن 9 أشهر .
- سيطرة عسكرية على مقدرات البلاد بصورة لم تحدث الا أثناء إنقلاب 1952 .
- تشرذم سياسي و مجتمعي لم يسبق له مثيل على الاطلاق , فمن تنام اليوم و هو حليفك غالبا ما تصحو و هو ألد خصومك .
- هجمة إعلامية لا أخلاقية بالمرة يقودها الفلول و المجلس العسكري ضد كل من له صلة من قريب أو بعيد بالثورة المصرية .
- سياسات حاكمة تدفع البلاد بتعمد لا شك فيه الى حالة من الفوضى العارمة في كل الميادين .
- محاكمات عسكرية لأكثر من 14000 مدني .
- مقبلون على إنتخابات برلمانية شاملة في ظل كل هذه الأوضاع .

* الغياب الأمني :
بعد إندحار قوات الشرطة يوم 28 يناير أمام الملايين من الثائرين المصريين و إختفائها الكامل العجيب لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا , بدأت تظهر نظريتان رئيستان لحل مشكلة غياب الشرطة و عودتها دون رفض الشارع لها .
النظرية الأولى ( و هي النظرية الثورية ) كانت تتلخص في حل جهاز الشرطة المصرية و التخلص منه كاملا مع محاكمة كل من يثبت تورطه في انتهاكات لحقوق الانسان أو مخالفات مالية , و الإستعانة بخريجي كلية الحقوق من العاطلين و إلحاقهم بأكاديمية الشرطة لمدة 6 أشهر ليصبحوا نواة جهاز الشرطة المصرية في مرحلة ما بعد الثورة . و بطبيعة الحال خرج علينا أذناب الفلول و عبدة الإستقرار و البلهاء من المخلصين ليملؤا الدنيا صراخا و عويلا ; كيف سنعيش 6 أشهر كاملة بدون شرطة تحمينا ؟
و لهؤلاء أوجه سؤالي , كيف تعيشون منذ 9 أشهر الى الآن بدون شرطة تحميكم أو أمل حتى في وجود شرطة تحميكم في القريب الآجل حتى ؟
الحقيقة أنه لا يخفى على أحد أن الغياب الأمني متعمد بنسبة 100 % بدون أدنى شك , سواء من الجهاز نفسه اللذي لن يسعى بالطبع الى استقرار البلاد حتى تنتقل السلطة الى حكومة مدنية منتخبة تقوم بمحاسبتهم على ما ساموه لقومنا من سوء العذاب على مدار العقود الماضية , أو من المجلس العسكري اللذي بالطبع ليست لديه الرغبة فضلا عن الإرادة للقضاء على هذا الغياب الأمني اللذي يصب في صالحه بشكل من الأشكال على الأقل .
النظرية الثانية ( و هي النظرية الإصلاحية ) تتلخص في تطهير جهاز الشرطة من قتلة الثوار و مقاولين التعذيب و مختلسي الخزائن و فارضي الإتاوات في الشارع على المواطنين , و تلك هي النظرية اللتي تبناها المجلس العسكري و تعهد بتنفيذها , و لا مزايدة عليه الصراحة في جديته في تنفيذها , فقتلة الثوار تمت ترقيتهم و رجال العادلي تمت إعادة توزيعهم على المناصب و المهام في خدعة " بص العصفورة " الشهيرة ب " أكبر حركة تنقلات في تاريخ الداخلية " , و تم التطهير على طريقة المجلس العسكري بالعادلي و بعض من رجاله في سجن 5 نجوم و بدون حتى صدور أحكام إبتدائية حتى ضدهم و عفى الله عما سلف .
و حتى و إن أرادت السلطة الآن عودة الشرطة لسبب أو لآخر , فسيكون هذا عمليا قمة في الصعوبة , فالناس لن تثق بظباط و لواءات قاموا بقتل أبنائهم منذ بضعة أشهر و لم يحاسب الى الآن لمجرد أن وزير الداخلية السابق في السجن الآن , و قد ظهر هذا جليا في أحداث أسوان عندما أمرت النيابة العامة بحبس الأمين قاتل المراكبي النوبي تمهيدا لمحاكمته و حاصر النوبيون مديرية الأمن و مطلبهم الوحيد هو تسليم الأمين القاتل لهم للقصاص منه بأيديهم , و هذا يرجع بمنتهى البساطة إلى إنعدام ثقتهم التام بالشرطة و النيابة العامة و ماكينة العدالة في مصر بشكل عام .
كما أنه هناك إحتمال لا بأس به من أن يكون سبب الإصرار على الغياب الأمني إلى الآن هو إستخدامه كمبرر لترك الحبل على الغارب لأعمال البلطجة و العنف , فمن الغير المنطقي أن تكون الشرطة حاضرة في الشارع و تأتي يوم الإنتخاب و تقوم بالإنسحاب أو غض البصر عن أعمال البلطجة , فنحن الآن قد تجاوزنا عصر مبارك بوقاحته السافرة و بدأنا في نوع جديد من الوقاحة المتذرعة بشئ من المنطق .

* السيطرة العسكرية على السلطة :
منذ " إنتخاب " البكباشي جمال عبد الناصر عام 1956 رئيسا لجمهورية مصر العربية و إنحسار الدور الظاهري ل " مجلس قيادة الثورة " , لم تقع مقدرات الأمة المصرية تحت سيطرة العسكر بهذه الصورة السافرة , فالعسكر هم رئيس الجمهورية و مجلس الشعب و مجلس الشورى ثم أصبحوا المحكمة الدستورية ثم الآن يريدون أن يصبحوا هم " الدستور " نفسه من خلال وثيقة المواد الحاكمة للدستور , و هو تصرف لا أملك إزاءه إلا أن يحضرني التعديلات الدستورية و المادة 77 اللتي جرت في عام 2005 .
هذا بالإضافة إلى إصرار المجلس الرهيب على إستخدام المحاكمات العسكرية في أي قضية يكون الجيش أو المجلس العسكري طرفا فيها , على الرغم من أن النيابة العامة و القضاء و الشرطة المدنية واقعة تحت سيطرتهم الكاملة , و لكنهم لا يريدون المخاطرة بصدور أي إجراء أو حكم من القضاء المدني يتعارض مع رغباتهم لأنهم لا يرغبون في وجود أحكام ضدهم و لا يقومون بتنفيذها كما كان مبارك و العادلي يفعلان , و هذا جزء من الإختلاف بين إستبداد مبارك و إستبداد المجلس كما نوهنا من قبل .
بالله عليكم كيف يكون تحقيقا في قضية مثل قضية ماسبيرو من إختصاص المجلس العسكري و في هذه الحالة إن كانت الإدانة من نصيب الجيش فسيكون المدان الأول هو اللواء " الرويني " قائد المنطقة المركزية العسكرية اللتي جرت الأحداث في منطقى تابعة لها , و القضاء العسكري اللذي سيبت في القضية لا تصبح أحكامه نافذة إلا بعد تصديق قائد المنطقة عليها , و هو في هذه الحالة اللواء الرويني بعينه !!!
و قس على هذا المئات و من الممكن الآلاف من الحالات المشابهة اللتي ينطبق عليها مثل هذا المثال .
كما أن هذه المحاكمات سلاح رادع ضد قوى الثورة " العميلة " " الممولة من الخارج " اللتي تهدف إلى الوقيعة بين الجيش و الشعب و تنفيذ " المخططات الخارجية " و اللتي يتصادف أنهم كلهم من وجوه الثورة و المجتمع المدني اللذي لا ينكر دوره في رد الحياه الى الجسد السياسي المصري في الاعوام الستة الأخيرة .

* التشرذم و الإستقطاب :
في الفترة اللتي تلت تنحي المخلوع مباشرة و حتى طرح خدعة التعديلات الدستورية , كان الصف الوطني المصري المكون من القوى الداعية الى الثورة و القوى المشاركة في الثورة و القوى " القافزة " على الثورة و جموع اللامسيسين اللتي قامت فعليا بالثورة , جميعا على قلب رجل واحد و يتبنون موقفا واحدا توافقيا في حالة عدم موقف بالإجماع .
كان لا بد للقوى الجديدة في السلطة أن تبدأ أول ما تبدأ بمحاولة كسر وحدة هذا الصف ثم تفتيته إلى أشلاء بناءا على مبدأ " فرق تسد " الميكيافيللي الشهير , و إن لم تفلح فهي لا محالة واجدة نفسها في موقف لا تحسد عليه في مواجهة مد ثوري موحد لا يعلن مطلبا و هو قابل للتنازل عنه بأي شكل من الأشكال , صف ثوري امتداد للصف اللذي أصر من بعد موقعة الجمل على إسقاط مبارك و لم يهنأ له بال إلا بعد إسقاط مبارك , و هذا موقف لم يكن المجلس العسكري قادر بأي حال على مواجهته في هذا الوقت الحساس .
كانت أول محاولة لشق الصف ب " إختراع " التعديلات الدستورية و المعركة المفتعلة حول " نعم " و " لا " و صبغها بالطابع الديني هي أول محاولات شق هذا الصف , و كان نجاحها مبهرا للغاية بحيث أتى الإستفتاء و جناحي الثورة - العلمانيين و التيارات الدينية - قد أصبحا عدوان لدودان يكيل كل منهما الإتهامات للآخر إبتداءا بالجهل و ضيق الأفق و إنتهاءا بالتخوين و التكفير و ما الى ذلك , و كل منهما يرى في المجلس العسكري هو الورقة الرابحة اللتي ستنصره على غريمه بقوة الأمر الواقع .
النجاح الباهر اللذي حققته المحاولة الأولى لشق الصف أغرى السلطات بالمزيد من المحاولات الناجحة تلو الأخرى , الدستور أولا و الإنتخابات أولا , المبادئ الفوق دستورية و لا للإلتفاف على إرادة الشعب , و هلم جرا حتى أصبحت وحدة الصف الوطني المصري وقت الثورة جزءا من التاريخ و أصبح الواقع المستمر هو حالة التشرذم و العداء بين الأطراف جميعها .
لعنة زرع التشرذم لم تلقى على الأطراف السياسية فقط , بل نالت القوى المجتمعية نصيبها منها أيضا , فلا ننسى الفتن المستمرة بين المحامين و القضاة , و بين العمال و شركاتهم , و الطلبة و هيئات التدريس و مؤخرا بين المسلمين و المسيحيين و بين بعض القرى و القرى المجاورة لها , و كل هؤلاء يسعى لإستمالة المجلس العسكري للوقوف في صفه ضد غريمه و المجلس لا يعطي موقفا صريحا أبدا حتى لا يخسر أي طرف من الأطراف و يعطي لنفسه الفرصة للإستفادة القصوى من هذا التشرذم و العداء المتناصب بين أبناء الوطن الواحد و تحقيقا لنبوءة معلمهم و سيدهم حين قال " إما أنا أو الفوضى " .
و من سالف القول ان هذا التشرذم سوف يتم استخدامه بشدة في الانتخابات البرلمانية القادمة لصالح الفلول , فلا يوجد جبهة موحدة للتصدي لأي إنتهاكات أو تجاوزات و من يتم القاء جزء من " كعكة " المقاعد له لن ينتقد الإجراءات بحماسة عالية كما هو متوقع , و ها قد بدأت البشائر بتقييد اللجنة العليا للإنتخابات لإعطاء تصريحات المراقبة لمنظمات المجتمع المدني كما كان الحال في جميع الإنتخابات اللتي جرت في عهد المخلوع .

* التحريض على الثورة :
يرتبط التحريض على الثورة و رموزها بخطة التشرذم اللتي بدأت السلطات في القيام بها لرفع غطاء الدعم الشعبي عن الثورة و الثوار. بدأت هذه الحملة بعد التنحي على إستحياء شديد , فمن حين لآخر تسمع من بعض الأفواه عتابا للثورة على حرق الأقسام و إستخدام الجماهير للعنف ضد ظباط المباحث اللذين طالموا أذاقوا هؤلاء الناس أصناف الهوان و العذاب .
ثم تطورت اللهجة شيئا فشيئا لتصبح أن من قاموا بالهجوم على الأقسام اللتي كانت تمطر المظاهرات السلمية العابرة أمامها بالرصاص الحي و الخرطوش و قنابل الغاز هم مجرد " بلطجية " و ليسوا ثوارا , ثم التطاول على شهداء الأقسام اللذين منهم طلبة و جامعيون و سيدات و وصمهم أيضا بأنهم مجرد بلطجية قتلهم رجال الشرطة الأبرار دفاعا عن الأقسام و عن سيادة القانون .
و كالعادة نجحت الهجمة و تم تشويه صورة شهداء الثورة و مصابيها من الفقراء و المساكين , و تم إستخدام رقة حالهم و ملابسهم الرثة و البؤس و القهر البادين في أعينهم لتصويرهم على أنهم مجرد بلطجية و ليسوا من ثوار التحرير " المستحميين و لابسين أديداس و كيلفن كلاين " , و هذه جريمة أخلاقية أخرى قام بها من وقف وراء هذه و الهجمة و من والاهم عن سوء نية أو عن حماقة كالخبراء " الإستراتيجيين " و الإعلامي أحمد المسلماني .
بعد نجاح حملة التحريض على فقراء الثوار و الشهداء , كنتيجة طبيعية إنعزلوا كجناح بشري للثورة عن أجنحتها الفكرية و القانونية و السياسية بعد إحساسهم بإنكار الأخيرين لدورهم و عزوفهم عن الدفاع عنهم ضد ما يتعرضوا له من تشويه متعمد و ظالم و قاسي .
بعد عزل الجناح البشري للثورة بدأت المرحلة الثانية من حملة التحريض و التشويه و كان الهدف هذه المرة هي النخبة الإيجابية و النشطاء السياسيين اللذين غالبا ما يراهم العسكر على أنهم هم بتواجدهم في الشوارع من 2003 و فدائيتهم و تحديهم السافر لمبارك و أمن دولته منذ أن كانوا يتظاهرون في مظاهرات حاشدة من 50 فردا , هم من أهم أسباب إشتعال الثورة و وجود صورة ذهنية لدى المواطن المصري عن وجوب تحدي النظام في الشارع , كما أن هذه المجموعات هي اللتي دعت و حشدت بكل طاقتها ليوم 25 يناير نفسه بدون أن يكون في حسبانها أن تكون ثورة حقيقية .
و لا شك أيضا أن بني عسكر يرون أن السماح بوجود مثل هذه المجموعات في عصر مبارك كانت أصلا خطأ من أخطاء مبارك اللتي دفع ثمنها - في نظرهم - غاليا , و بالطبع يرون أن سحق مثل هذه المجموعات و القضاء عليها نهائيا أولوية و لكن بصورة تدريجية .
ففتحت وسائل الإعلام الحكومية و الخاصة  على مصراعيها للفلول و أذنابهم و لواءات شرطة مجرمين تحت مسمى " خبير إستراتيجي " و كل من هب و دب لإلقاء التهم جزافا على النشطاء الشباب و الحركات الشبابية بدءا بالعمالة و إنتهاءا بالخوض في الأعراض و ما إلى ذلك من أساليب قذرة و دونية لا تليق فعلا إلا بمن يستخدمونها هذه الأيام .
و لكن كانت هناك عقبة في هذا الموضوع , فهؤلاء النشطاء يملكون دعما قانونيا رفيع المستوى منعدم التكلفة متمثل في المجتمع المدني بمنظماته و محامينه المغاوير اللذين لهم جولات لا تعد و لا تحصى في الدفاع عن النشطاء منذ أيام مبارك و حتى يومنا هذا , صحيح أن مجابهة المجتمع المدني مكلفة سياسيا للمجلس العسكري و خصوصا على المستوى الدولي , و لكن المكاسب مغرية للغاية متمثلة في رفع الغطاء القانوني عن النشطاء و ضرب مصداقية المجتمع المدني اللذي أوكلت إليه وحده مسئولية مراقبة الإنتخابات البرلمانية المقبلة , و هي مكاسب مهمة للغاية للعسكر على طريق هيمنتهم على السلطة .
و خاصة أن الفلول و النظام السابق لديهم تجارب سابقة باهرة النجاح في التشويه كالحملات اللي تمت على د. أيمن نور و د. البرادعي.
و نتيجة لشراسة الحملة و تركزها و إصرارها و السياسات الدفاعية الخاطئة اللتي إنتهجها النشطاء و النخبة و المجتمع المدني في الدفاع عن أنفسهم ضد هذه الهجمات , نجحت الحملة مؤخرا نجاحا شبه مؤكدا و تم الفصل الشبه تام بين الثورة كاملة و الشارع المصري اللذي يميل بطبيعته الى تصديق الحاكم ما بقى له أقل قدر ممكن من المصداقية .

حتى لا تكون هذه التدويتة طويلة زيادة عن اللزوم , سأتوقف حتى هذه النقطة و أكمل تحليل باقي النقاط في تدوينة أخرى منفصلة .

                                                                                                    القاهرة في 15/11/2011

السبت، مارس 12، 2011

عن التعديلات الدستورية


أما و قد بقى اسبوع واحد فقط على موعد الاستفتاء على التعديلات الدستوريه , و الموقف لا يزال مبهما من جميع الاتجاهات تقريبا . فلا يقين هناك من إمكانية إجراء الإستفتاء وفق الظروف الأمنيه الغير مستقره بشكل كبير , و لا يقين من إمكانية تحصين العمليه من عمليات التزوير و التلاعب و التصويت المتكرر - على الأقل لم نرى ضمانات معينه أو إجراءات إستباقيه حتى الآن - , ناهيك بالطبع عن غياب التوافق على مبدأ التعديل الدستور مع إرتفاع أصوات المطالبه بدستور جديد .

ستصوت بنعم أم بلا ؟
هذا هو السؤال التقليدي اللذي يسأله الشباب المصري لبعضه البعض الآن , حيث تمكن المعارضون لفكرة دستور 71 من إيصال وجهة نظرهم - و هي وجهة منطقيه لها كل التقدير و الإحترام - من أن إعادة الحياة لمسخ دستوري كدستور 71 هي خطيئه في حق الثوره و مكتسباتها , حيث أن منطقيا و نظريا كانت الثورة على الدستور قبل أن تكون على أي شئ آخر .

تقوم فكرة التعديلات الدستوريه على إصلاح لبعض المواد المعيبة - و ليس كلها - في الدستور المصري السابق للثوره و المعروف بإسم دستور 71 , حيث تم إقتراح تعديل للمواد المتعلقة بشروط الترشح لفتره الرئاسة و طريقة إجراء الإنتخابات الرئاسية و وضع حد أقصى لأي رئيس بمدتين - 8 سنوات - و عودة الإشراف القضائي و أخيرا و ليس آخرا محاصرة قدرة الرئيس القادم على إعلان حالة الطوارئ و منعه من إتخاذ تدابير إستثنائيه بصفته رئيسا للجمهورية .
دعونا نستعرض وجهات النظر المختلفه حول الموضوع و السيناريوهات المستقبليه في كل حاله من حالات نتيجة الإستفتاء .

منح دستور 71 حياه جديده قصيره
هو أول السيناريوهات المطروحة و أكثرها مثالية و ميلا لإفتراض حسن النية في كل أطراف المعادلة , حيث يفترض هذا السيناريو موافقة الأغلبيه من الناخبين على تعديل دستور 71 ليقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحه بإجراء إتخابات رئاسية و برلمانية طبقا لدستور 71 المعدل , و يلقى على عاتق الرئيس الجديد و البرلمان الجديد مهمة الدعوة لإنتخاب جمعية تأسيسية تقوم بإعداد دستور جديد لمصر يمثل شعب مصر الثورة .
يرى المؤيدون لهذا السيناريو أن مهمة إعداد دستور جديد للبلاد , ليس من اللائق أن تتم تحت سيطرة حكم عسكري و حكومة - حتى و إن كانت لديها قبول شعبي - غير منتخبة , فيرون أن من الأفضل أن يتم إجراء إنتخابات سريعا طبقا لدستور 71 المعدل , ليتسلم الحكم رئيس مدني منتخب و برلمان منتخب حتى يعود الإستقرار السياسي و الأمني و يعود الجيش إلى ثكناته و إلى مهامه الأساسية من حماية البلاد من الأخطار الخارجية . و تقوم السلطات المنتخبة بالقيام بعملية الإعداد لدستور الجديد في أوضاع مستقرة نسبيا عما نحن فيه الآن .
بينما يرى معارضو هذا السيناريو أن عودة الحياة لدستور 71 تعمي العودة بشكل أو بآخر إلى حياة ما قبل 25 يناير السياسية و إلى أن يكون الرئيس الجديد ذي سلطات واسعة لا زالت يعطيها له الدستور و لم تتطرق لجنة البشري إلى تعديلها أو تحجيمها , مما يضعنا في خطر نكوص السلطة القادمة عن عملية الإعداد للدستور القديم و مواصلة عمليات إعطاء جرعات الأكسجين لدستور 71 , و خصوصا بعدم وجود أي ضمانات حتى الآن بإجراء عملية الإعداد للدستور الجديد في عهد الرئيس الجديد .

التخلص تماما من دستور 71 و الشروع في إعداد دستور جديد
يرى مؤيدوا هذا السيناريو ضرورة التخلص من دستور 71 و ما يعطيه من سلطات خرافيه لرئيس الجمهورية و الشروع فورا في إنتخاب لجنة تأسيسية لإعداد دستور يلبي تطلعات الثورة , و إذا ما حدثهم أحد عن إمكانيية تعارض هذا مع الأوضاع الأمنيه الحالية فالرد يكون بأنه إذا كانت الأوضاع تسمح بدعوة الناخبين لإجراء إستفتاء على تعديل الدستور , فهي بالتأكيد تسمح بالدعوة الناخبين لإنتخاب الجمعية التأسيسية .
و بالنسبة لتعارض السيناريو مع محدودية زمن الستة أشهر اللذي أعطاه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنفسه حتى يسلم مقاليد السلطة لرئيس و برلمان منتخبين , فلديهم حل مقترح و هو تشكيل مجلس رئاسي أغلبيته من المدنيين و يوجد به ممثل للقوات المسلحة , و يقوم المجلس الرئاسي بإستكمال الطريق نحو الدستور الجديد و من ثم إنتخابات تجرى وفقا للدستور الجديد بعد إقراره .

إعلان دستوري أو دستور مؤقت
كمحاولة لإمساك العصا من المنتصف يتولد هذا السيناريو القائم على فكرة التخلص من دستور 71 المثير لحفيظة الكثيرين , و في نفس الوقت عدم التعجل بإعداد الدستور الجديد حتى لا تتأذى سلامة و نزاهة العملية نفسها .
يطرح السيناريو إستمرار وقف العمل بالدستور و إعتباره لاغيا و يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار إعلان دستوري يتضمن البنود المهمة للفصل بين السلطات و إطلاق الحريات العامة و الحريات السياسية , و يعتبر هذا الإعلان بمثابة دستور مؤقت مما يلزم السلطة المنتخبة القادمة بالشروع في إعداد دستور جديد للبلاد فور تسلمها السلطة .

بالطبع هذا مجرد تلخيص لوجهات النظر الأساسية , و للحديث بقية لإستكمال وضع إفتراضات للمرحلة المقبلة بعد الإستفتاء .