الثلاثاء، نوفمبر 15، 2011

عن كل ما حدث و ما يحدث الآن (2)

أتحدث في هذه التدوينة عن ما تبقى من نقاط لم تفصل في التدوينة السابقة , و هي :

- سياسات حاكمة تدفع البلاد بتعمد لا شك فيه الى حالة من الفوضى العارمة في كل الميادين .
- محاكمات عسكرية لأكثر من 14000 مدني .
- مقبلون على إنتخابات برلمانية شاملة في ظل كل هذه الأوضاع .

* سياسات حاكمة راعية للفوضى :
يتذرع المدافعون عن أداء المجلس العسكري و حكومته بالأسباب الآتية : 
- تم كسر هيبة الشرطة .
- تم كسر هيبة الدولة .
- الشعب غير متعاون لإعادة الإستقرار .
- عزوف المستثمرين عن الإستثمار في مصر بسبب الثورة .
و بالطبع كل هذه الإدعاءات فارغة تماما و عارية من الصحة و هي لغرض التضليل لا أكثر و لا أقل .
حيث من المعروف حتما أن مسألة عودة الشرطة هي مسألة تقع بالكامل في أيدي المجلس العسكري , و عدم عودة الشرطة إلى العمل حتى الآن ما هي الا نتيجة لعدم توافر الرغبة لدى المجلس العسكري في ذلك , إستمرارا لسياسة الضغط على الشعب المصري و معاقبته 
حيث أن عودة الشرطة و قد ذكرنا مشكلتها , و بالنسبة الى عدم قيام المحليات بأدوارها المختلفة فما مبرره ؟ كسر هيبة الدولة أيضا ؟؟ أسيرفض الناس التعامل مع من يقومون بتمهيد شارع لهم ؟ هل سيرفضون التعامل مع من يقومون بمد خط مياه لهم ؟ هل سيرفضون التعامل مع من يرفعون لهم القمامة ؟ أي عبث و أي نصب و دجل هذا اللذي تقوم به الحكومة من إدعاءات فارغة ؟
ثم ما اللذي على الشعب فعله لعودة الإستقرار و لا توجد هناك شرطة أصلا ؟؟
هل يوجد نموذج واحد في العالم لدولة بها استقرار و أمن و سيادة قانون بدون جهاز شرطة قوي و خاضع للرقابة القضائية ؟؟
ما مبرر ترك الشارع بدون شرطة و بدون مرور و بدون جامعي القمامة و الكثير مما لا يعد و لا يحصى مما إختفى من خدمات - رديئة أصلا - و لم يعد ؟

* المحاكمات العسكرية :
سبحان الله .. و كأن شيئا لم يكن يا بلادي .. ألم يدر هؤلاء أن الثورة أول ما قامت , قامت ضد قانون الطوارئ و الإجراءات الإستثنائية و غياب العدالة ؟ و في عصر مبارك كانت الإجراءات الإستثنائية تتلخص في سلطات الإعتقال للظباط و نيابة أمن الدولة و محاكم أمن الدولة .. أما الآن بعد الإطاحة بمبارك فظلت هذه الإجراءات كما هي ضد النشطاء و الفقراء و زاد عليها الآن بعد الثورة النيابات العسكرية و المحاكم العسكرية .
إن القول بأن المحاكمات العسكرية عادلو أو شبه عادلة حتى هو هراء محض , هيئة القضاء العسكري كاملة هي مجرد " إدارة " من إدارات القوات المسلحة مثلها كأي إدارة أخرى كشئون الظباط مثلا في التعيينات و ترتيب الأوامر و القيادات و ما إلى ذلك , إلى جانب أن أحكام هذه المحاكم لا تصبح واجبة النفاذ إلا بعد تصديق قائد المنطقة العسكرية التابع لها المحكمة على الحكم , و مثال على هذا التضارب ما ذكرته في التدوينة السابقة عن قضية ماسبيرو و الرويني , حيث إن ثبت مسئولية الرويني مثلا عن إنفجار الأحداث و حكم عليه القاضي بعقوبة فلا يصبح هذا الحكم ساريا إلا بعد تصديق الرويني نفسه !!!!!!!!!!!!
ثم إن محاكمة المتظاهرين و الفقراء و من تشاجر مع ظابط في الشارع و من سرق " معزة " أمام المحاكم العسكرية في الوقت اللذي يحاكم فيه القتلة و الخونة و مختلسي أرزاق الشعب أمام القضاء الطبيعي متمتعين بأكثر من حقوقهم الكاملة كمتهمين , لهو نوع من الصفاقة و الوقاحة اللتي لم يسبق لها مثيل حتى في عصر المخلوع نفسه .
كما أن الإدعاء و التضليل بأن المحاكمات العسكرية هي السبيل الوحيد لمواجهة البلطجة و الإنفلات الأمني و ما إلى ذلك , هو من أكبر عمليات تضليل الرأي العام اللتي حدثت في مصر و ربما في العالم , حيث أن الإنفلات الأمني حله في جهاز الشرطة المدنية القوي الخاضع للرقابة و مبدأ سيادة القانون اللذي يتم خرقه يوميا بالمحاكمات العسكرية للمدنيين , و الدليل على ذلك أنه قد مر على بدء إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية حوالي 10 أشهر و تم محاكمة قرابة ال 15000 مواطن أمامها و لم أسمع في أي منطقة عن بلطجي واحد أو قاطع طريق واحد حتى تم حبسه بناءا على محاكمة عسكرية , و لا تزال بعد كل هذه المدة مظاهر البلطجة و العنف و غياب القانون مستمرة في الإنتشار يوما بعد يوم رغم أسطورة إستخدام الأحكام العسكرية لردع البلطجة , و الإنتخابات البرلمانية على الأبواب و أحداثها سوف تكون خير دليل على عدم فاعلية المحاكم العسكرية في القضاء على البلطجة , لقصورها القانوني كمحكمة أولا و لإنعدام الرغبة لدى المجلس العسكري ثانيا .
الحرية لعلاء عبد الفتاح و مايكل نبيل و الآلاف المؤلفة من المهدرة حقوقهم أمام مقصلة المحاكم العسكرية .

* الإنتخابات البرلمانية :
كان من المفترض أن ندخل هذه المرحلة بنفس الروح اللتي دخلت بها الشقيقة تونس إنتخابات المجلس التأسيسي , و لكن العسكر أبوا , فشتان بين مرحلة تونس الإنتقالية و مرحلة مصر " الإنتقامية " , فنتيجة لكل الأحداث السابق ذكرها في التدوينتين , تدخل مصر هذه الإنتخابات و أقصى أمانيها أن تقلص كمية الدماء اللتي ستسيل على سيوف البلطجية و جنازيرهم و شومهم و ربما " كلاشنكوفاتهم " حتى !!
فالفلول و أعضاء مجالس الشعب المزورة سابقة حاضرين و بقوة و الكثير منهم يخوض الإنتخابات عن أحزاب كبيرة كالوفد اللذي أصبح الراعي الرسمي للفلول , و الآخرون يخوضونها عن أحزابهم الجديدة أو كمستقلين , و كلهم لا تزال لديهم نفس الترسانة من المال الحرام و اللاأخلاقية و كتائب البلطجية و حماية ظباط المباحث بدوائرهم , و بالطبع كل هذه الأسلحة سوف يتم إستخدامها بأقصى قوة في الإنتخابات القادمة , اللتي هي بالنسبة لهم معركة حياة أو موت لحماية ما تبقى من الرؤوس و وقف خسائرهم جراء الثورة الى ما خسروه حتى الآن و بداية مرحلة تعويض تلك الخسائر .
و كل الحديث عن تغليظ العقوبات الإنتخابية في الجرائد هو أيضا مجرد كلام فارغ للإستهلاك الإعلامي  فقط  , فمن اللذي ينتظر قيامه بضبط المخالفين و تقديمهم للعدالة ؟؟ الشرطة المدنية ال"مقموصة"؟ و تقدم من الى العدالة ؟ حلفائها السابقين من البلطجية و المسجلين و أعضاء المجالس المزورة اللذين طالموا عزفوا معهم سيمفونية تزوير الانتخابات ؟ ستأتي اليوم و تنقلب عليهم فجأة ؟ بأمارة ايه ان شاء الله ؟
أم الشرطة العسكرية الغير قادرة على تأمين مدرعاتها من خطر " الإرتباك " و غير قادرة على تأمين الطرق السريعة الرئيسية حتى في البلاد - كما يدعون هم - ستصبح بقدرة قادر فجأة قادرة على حماية أكثر من 3500 لجنة بناخبيها بالمناطق المحيطة بها , بل و القبض على مرتكبي الجرائم الإنتخابية من ترويع و تهديد و نشر إشاعات و شراء أصوات و تسليمهم للعدالة ؟ و من المفترض منا أن نصدق أن هذا السينارية اليوتوبي هو ما سيحدث في مصر بعد 15 يوما من نشوب حرب بين قريتين و إنتهاج الشرطة العسكرية لسياسة " عدم التدخل " !!!!!!!!!!!!!!!!
هذا و قد أبشركم أن عمليات شراء الأصوات قد بدأت في المناطق الفقيرة , و مما وصلني منها أن سيد عيد - عضو مجلس شعب 2005 و 2010 وطني - مرشح حزب الوفد عمال بالدائرة قد اتفق مع سماسرة الأصوات اللذين يكون معظمهم من المسجلين خطر و أصحاب السوابق الجنائية على أن يجمعوا له الناخبين و يقبض السمسار 500 جنيه عن كل صوت يجلبه , و بالطبع كل هذا تحت رعاية السادة الأفاضل ظباط مباحث قسم حدائق القبة , أدامهم الله ذخرا للعدالة و للعقوبات الإنتخابية !!
كل ما سلف بالطبع لا يناقش إحتمالية حدوث مهازل زائدة عن الحد في المرحلة الأولى للإنتخابات قد يتذرع بها المجلس لتأجيل إجراء المرحلتين الباقيتين الى أجل غير مسمى , و هذا إحتمال لا أريد الخوض فيه لأني قد أصبت بالإكتئاب بسبب كتابة كل هذه المصائب و لا أريد أن أزيده .
و أعد بالمزيد من الأملو التفاؤل في التدوينة التالية بعنوان " خطايا الثورة و كيفية التوبة منها " .

     القاهرة في 16 / 11 / 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق