الجمعة، ديسمبر 02، 2011

إختيار الإنقراض

يعيش انصار الدولة المدنية و العلمانيين هذه الأيام مرحلة صدمة مصطنعة للغاية .. فقد إنتهت الجولة الأولى الأولى تقريبا من الإنتخابات البرلمانية 2011 اللذي سيكتب دستور مصر ما بعد الثورة .. و بعد نجاح التيار الديني " الإخوان و السلفيون " في الحصول على حوالي 70 % من مقاعد الجولة .. بدأت القوى المدنية نخبة و نشطاءا و أنصارا في عيش نفس حالة الفصام و اللاتصديق لمعطيات هي أكثر المعطيات منطقية بناءا على كل ما حدث في العام الماضي .
كيف للقوى المدنية أن تتعجب من إكتساح التيار الديني لهذه النسبة , و التيار الديني هو الوحيد المنتشر و المتوغل في الطبقة الفقيرة اللتي تعلم كل القوى المدنية في مصر انها تشطل اكثر من 50 % على أقل تقدير من مجمع الكتلة التصويتية في مصر ؟؟؟؟
كيف يتعجبون , و هم يعلمون جيدا أنهم لا حضور لهم في مصر الا على الفضاء الالكتروني و الطبقة المتوسطة اللتي تتابع برامج التليفزيون ؟؟
كيف يتعجبون , و هم قاسوا بالظبط من نفس هذه التجربة في شهر مارس الماضي مع صفعة الإستفتاء الشهيرة ؟؟
كيف يتعجبون , و التيار الاسلامي ممثل في 3 جبهات فقط لا غير " الحرية و العدالة - النور - الوسط " , بينما هم تفرقت بهم السبل الى أن كلما إلتقى منهم خمسين فردا أسسوا حزبا أو جماعة ؟؟؟؟

لقد تلقينا كلنا صفعة الإستفتاء و وقفنا مذهولين من ضآلة تمثيل القوى المدنية و قوى الثورة في أول معركة إنتخابية " مصغرة " بعد الثورة , و كان من المفترض أن نكون قد تعلمنا جميعا درسا قاسيا في الفارق بين المعارك النضالية كالثورة و المعارك التصويتية كالإستفتاء .. و لكننا للأسف لم نتعلم منها أي شيئ .

كان من المفترض لو أننا بدونا عجزة عن فهم حقائق مباشرة كانت السبب في " نكسة الإستفتاء " للقوى المدنية , أن نقوم بدراسة الواقع على الأقل و محاولة فهم تلك الحقائق و طرق مواجهتها .. و لكننا عوضا عن ذلك إنسرفنا إلى نفس التمزق و التشرذم و عدم التفرقة بين المعارك النضالية و المعارك التصويتية , و بدلا من أن نتحد في كيانات قوية و بعمل تواجد قوي في الشارع المصري مهما تطلب ذلك من مجهود .. إنسرفنا إلى مقاهينا و " فيسبوكنا " و : تويترنا " و إنهمكنا جميعا في كيل التهم للجميع من المجلس العسكري الى القوى الدينية الى حتى " الشعب الغبي اللي اتضحك عليه " .. و تركنا السبب الرئيسي في هذه السقطة , و هو تخاذلنا كقوى مدنية و تركنا للشارع عن عمد و وعى بذلك للتيارات الدينية .

و جاءت المعركة الإنتخابية وسط مهاترات الوثيقة و الهجوم على المصابين و ش محمد محمود و كل فخاخ الإنهاك و الإستنزاف اللتي استخدمها المجلس العسكري لعرقلة القوى الوطنية عامة عن المعركة الأساسية اللتي فرضت على المجتمع و هي المعركة الإنتخابية . و لكن القوى الدينية لأنها قوى براجماتية بحتة , قررت عدم الإلتفات إلى ما لا يخصها في هذه المرحلة و بذل الغالي و النفيس و التضحية بكل شيئ و أي شيئ لأجل توفير الطاقة و الإمكانيات اللازمة للمعركة الإنتخابية .
و بالتالي فإن النتيجية الطبيعية و المنطقية أن تأتي النتيجة بمثل هذا الإكتساح , و لا محل هنا للتعجب و الإستنكار و النحيب , فلم يظلم أحد القوى المدنية بل هي اللتي ظلمت نفسها ظلما بينا .

و المشكلة هنا أن الواعين بأسباب الهزيمة و سبل التغلب عليها , هم سلبيون أيضا , فهم يكتفوا بالتصريح بذلك و الكلام عنه بدون أن يفعل أي أحد أي شيئ للخروج الفعلي من هذا الوضع .
لماذا لا يقوم عقلاء القوى المدنية و الثورية اللذين لا يزالون على علاقة طيبة بباقي القوى المدنية القيام بهذا الدور الحيوي اللذي فرض أخلاقيا عليهم لأنه لا يوجد أحد آخر يقوم به ؟
أين رموز المجتمع المدني من هذا الخطر المجتمعي الرهيب المتمثل في السقوط في هوة الأنظمة الدينية ؟
أين النشطاء الشباب الواعيين و المثقفين من القيام بدور الوساطة بين هذه القوى و الأحزاب المتشرذمة اللتي تفضل الإنقراض منفردة عن الإتحاد مع باقي القوى المدنية من أجل حماية فكرة مدنية الدولة نفسها و بالتالي حماية وجودها كقوى نفسه ؟

لماذا يظل كل مؤمن بأهمية التحالف و الإندماج بين القوى المدنية و الشروع في العمل السياسي في الشارع بشكل منظم و مخطط , متقوقعا على نفسه على تويتر و فيسبوك و المقاهي ؟ لماذا لا نضع أيدينا في كفة واحدة للقيام بمثل هذه المهمة اللتي هي الخيار الأخير لكل المؤمنين بمدنية الدولة في مصر و البديل عنها هو الإنقراض الفعلي ؟

إن عدم توحد القوى المدنية و العلمانية الآن في حزبين أو ثلاثة على أقصى تقدير و عدم التواجد في الشارع و بناء أحزاب حقيقية لها قوى منظمة في الشارع .. لهو بالفعل خيار الإنقراض .

ربما قد نلنا هزيمة منكرة في مسار التحول الديمقراطي " الاستفتاء " و في القدرة على المشاركة في صياغة الدستور الجديد " الانتخابات البرلمانية "  , و لكننا لا يزال لدينا انتخابات برلمانية جديدة بعد انتخاب الرئيس و لا يزال لدينا انتخابات برلمانية أخرى بعد 4 سنوات . ربما كان لدينا ترف الوقت من قبل لكننا حاليا أصبحنا لا نملكه , و عدم البدء بالعمل السياسي الحقيقي الآن و فورا سيكون إضاعة لآخر فرصة , لأننا بعد هذا سنكون أمام مؤسسات فاشية متعصبة و تمتلك شعبية و منتخبة ديمقراطيا .

ما دفعني إلى كتابة هذا هو ملاحظتي لوجود الكثير من المؤمنين بهذا الحل و حتميته , و لكني لم ألاحظهم الا في تويتاتهم للأسف .
أنا عن نفسي أضع نفسي و كل ما أستطيع من وقت و مجهود من أجل العمل لتحقيق قوى مدنية موحدة و تشتغل بالسياسة فعليا في الشارع لا بالظهور الإعلامي , و أعلم أن من مثلي كثيرون لكن ينقصهم العمل الجماعي .